كيف تصنع النجاح؟

النجاح هو ذلك الشعور العميق بالرضى عن أنفسنا، ذلك الإحساس الذي يتسع ليشمل الشراكة مع الآخرين في تجاربهم وإنجازاتهم، فنفرح لهم كما نفرح لأنفسنا، وبالمقابل يشعرون هم بالرضى أيضًا تجاه ذواتهم. وعندما يصرح المرء قائلًا: “لا أستطيع أن أفعل هذه الأمور لأنني جبان، أو لأنني انطوائي وخجول”، فهذا يعكس ببساطة أنه لم يبلغ بعد مرحلة الرضى الذاتي. فالنجاح الحقيقي يبدأ من الداخل، من انسجام الإنسان مع ذاته وقبوله لنفسه، قبل أن يترجم إلى مخرجات وأفعال في العالم الخارجي. إن القدرة على الاستمتاع بنجاح الآخرين ليست مجرد خصلة إنسانية نبيلة، بل هي الرافعة التي يمكن أن تغيّر حياتك بالكامل، لأنها تحررك من مشاعر المقارنة والنقص، وتجعلك جزءًا من دائرة العطاء والنماء.

ماهية النجاح؟

النجاح يشبه الهواء من حيث وفرة وفرص الحصول عليه، إذ لا ينبغي أن نشعر بالقلق بشأن كميته، فالكون قد وفّر ما يكفي للجميع بلا استثناء، وهذه القناعة العميقة هي ما أسميه “التسليم التام”. النجاح ليس سلعة نادرة تُحتكر، بل هو حالة كامنة في داخل كل إنسان، تنتظر فقط أن نسمح لها بالظهور. ومثل السعادة، فإن النجاح ليس هدفًا نركض وراءه، بل نتيجة طبيعية لما أصبحنا عليه، وانعكاس لتوجهنا الداخلي ونظرتنا للحياة. النجاح الأسمى يتحقق حين نرفض المساومة على نزاهتنا مقابل أي مكسب مادي أو شهرة أو سلطة، لأن التنازل عن المبادئ يفرغ الإنجاز من معناه.

في النجاح الحقيقي لا يوجد “تأخير” بين الجهد والمكافأة، لأن العملية نفسها مجزية، تمنحك شعورًا فوريًا بالرضى حتى قبل أن تظهر النتائج الملموسة. القوة الحقيقية تأتي من النية الحسنة والفهم الصادق، فإذا فسدت النية، فسد المفهوم كله وسقط النجاح في هاوية الفشل. الالتزام بالمبادئ هو في جوهره استعادة لقوتنا الداخلية، وهو ما يجعل النجاح أمرًا حتميًا وليس مجرد احتمال. النجاح ليس شيئًا خارجيًا نتسلق نحوه، بل هو انعكاس لما نحمله في داخلنا. والناجحون فعلًا هم أولئك الذين يملكون توازنًا في مختلف جوانب حياتهم، ويعملون باستمرار على تحسين مناطق ضعفهم، وعندما لا تتحقق النتائج المرجوة لا ينغمسون في ردود فعل عاطفية سلبية، بل يواصلون المحاولة بتعقل وثبات.

حين تغيب النية الحسنة، تغيب معها الثقة والإيمان والرضى وكل ما يجعل الحياة ذات معنى. وضمان النجاح يبدأ من المعرفة الداخلية بأن ما حققناه هو ثمرة وعي بحقائق أعمق عن الطبيعة البشرية، حقائق لا تخصنا كأفراد فقط، بل ترتبط بالإنسانية جمعاء. هذه المعرفة تمنحنا التواضع اللازم لمواجهة غواية النجاح والحفاظ على أصالته. والامتنان، في هذا السياق، هو أفضل وسيلة للدفاع عن النفس من الانزلاق في الغرور، فإذا اكتشفت موهبتك وكانت مصدر رزقك، فكن ممتنًا لذلك، واسعَ لمشاركة نجاحك مع الآخرين بدلًا من التباهي به. فالسيارة الفارهة لا تعني شيئًا في عيون العظماء بحق.

وعندما تتعثر الأمور، علينا أن نبتعد عن القلق ونعتمد الأمانة المطلقة كطريق لاستعادة ما فقدناه، إذ غالبًا ما يعود الخير في شكل آخر إذا تمسكنا بالنزاهة. الاعتراف بالخطأ حين نرتكبه يثبت للعالم أننا صادقون في التغيير، والعالم غالبًا سيغفر لنا إذا لمس صدق النية. فالخطأ ليس نهاية الطريق، بل هو نقطة انطلاق جديدة لتحديد موضع الخلل وتصحيحه، مما يتيح لنا الارتقاء إلى مستويات أعلى. في المقابل، لا ينبغي الوثوق بمن يفتقرون إلى النزاهة، لأنهم يفتقرون إلى أساس الثقة ذاته.

إن كل ما في الخارج من أحداث وظروف هو انعكاس لما في الداخل من نية وقناعات، والداخل هو الذي يخلق الظروف الخارجية أو يجذبها نحونا. تسلسل الأحداث في حياتنا مرهون بالسببية التي تبدأ من النية. فلا يمكننا تغيير العالم بمجرد أفكارنا كما لو كنا نريد تغيير شكل القلم عبر التفكير فيه فقط، بل علينا أن نتخذ إجراءات عملية. هناك أمور تتطلب منا الفعل، وأمور أخرى يكفي أن نرفع وعيَنا بها لتبدأ في التغير. المشكلة أن كثيرًا من الناس يحاولون تغيير الظروف الخارجية التي صنعوها بأنفسهم، فيخلقون بذلك قوة مضادة، بينما الطريق الأسهل هو تغيير “النمط الجاذب” المتمثل في القناعات والنية والنزاهة والمبادئ، وهو ما يؤدي تلقائيًا إلى تغيير تسلسل الأحداث في صالحنا. هنا إذا أردت مزيد من الإلهام.

النجاح إذن هو شعور بالرضى حيال ما نقوم به، وشعور بالسلام والطمأنينة عندما نخلد إلى النوم ونحن نعلم أننا بذلنا أقصى ما في وسعنا لإنجاز ما علينا. النزاهة هي مفتاح جذب النجاح، والالتزام بالإتقان في كل عمل نقوم به هو في الحقيقة دين علينا لأنفسنا. هذا “الدين” ليس تصفية حسابات مع أحد أو انتقامًا، بل هو إعطاء النفس حقها المستحق. وإن كانت الطريقة الوحيدة لتحصيل حقوقنا من الآخرين تتطلب منا الدخول في دعاوى قانونية ومواجهات، فمن الأفضل ألا نتعامل معهم منذ البداية. الابتعاد عن الجشع هو سمعة تكفي لتأسيس نجاح متين.

إن السقوط من أجل مكسب بسيط لا يتجاوز خمسة بالمائة سببه في الغالب انعدام الأمان، قلة النجاح، الجشع، أو قصر النظر. كن فريدًا ولا تسعَ لإثبات شيء للخارج إذا كان موجودًا أصلًا في داخلك. تذكر أن أي فكرة تركّز عليها تتدفق إليها الطاقة حتى تتحول إلى شيء ملموس، تمامًا كما كان الهاتف الذي تحمله اليوم مجرد فكرة في ذهن شخص ما قبل أن يصبح واقعًا. النصر الحقيقي يجلب معه الفرح والرضى العميقين، لا الصخب المؤقت.

وهنا نجد مثالًا حيًا يوضح كل هذه المبادئ. تخيل شابًا اسمه سامر، نشأ في بيئة عادية، لم يكن يملك ثروة ولا علاقات واسعة، وكان خجولًا في طفولته إلى حد أنه كان يتجنب حتى المشاركة في الأنشطة المدرسية. سامر كان يؤمن في داخله بأنه “ليس ذلك الشخص الذي ينجح”، وكان يردد بينه وبين نفسه: “أنا انطوائي، لست قوي الحضور، ولا أملك الجرأة”. هذه القناعة الداخلية كانت تحصره في دائرة صغيرة من الفرص، حتى جاء يوم التقى فيه برجل حكيم في مكتبة الحي. دار بينهما حديث قصير، قال فيه الرجل: “النجاح ليس في الخارج يا بني، النجاح هو أن تشعر بالرضى عما أنت عليه، وتعمل بنزاهة، وتفرح لنجاح الآخرين كما لو كان نجاحك”.

بدأ سامر بالتفكير في تلك الجملة، وشيئًا فشيئًا أدرك أنه كان يربط النجاح بالمظاهر الخارجية: المال، الشهرة، المنصب. لكنه قرر أن يختبر الفكرة من منظور مختلف: أن يبدأ من الداخل. أول خطوة قام بها كانت أن يكتب قائمة بجميع الأمور التي يشعر بالامتنان لها، مهما كانت بسيطة، مثل صحته، والقدرة على التعلم، والأصدقاء القليلين الذين يثق بهم. لاحظ أن الامتنان غيّر حالته النفسية، وبدأ يشعر بطاقة جديدة تدفعه للمبادرة.

في عمله، قرر سامر أن يلتزم بأعلى درجات النزاهة، حتى وإن كان ذلك يعني التخلي عن بعض الصفقات المغرية التي تتطلب تنازلات عن مبادئه. في أحد المواقف، عرض عليه زبون كبير مشروعًا مربحًا، لكنه اشترط تعديل بعض الأرقام بطريقة غير قانونية. كان من السهل أن يغريه العائد المادي، لكن سامر تذكر القاعدة: “النزاهة مفتاح جذب النجاح”. فرفض العرض، مع أنه كان في أمسّ الحاجة للمال. بعد أشهر، اتضح أن هذا الزبون تورط في قضايا كبيرة، بينما نال سامر سمعة طيبة جعلت شركات أخرى تثق به أكثر.

لم يكتف سامر بالعمل الجاد، بل بدأ يدرب نفسه على الاستمتاع بنجاح الآخرين، حتى لو كان ذلك يعني أنهم سبقوه. كلما رأى صديقًا أو زميلًا يحقق إنجازًا، كان يهنئه بإخلاص ويحتفل به، فبدأ يلاحظ أن بيئة من الدعم المتبادل تتشكل حوله، وأن الناس صاروا بدورهم يدعمونه. هذه الطاقة الإيجابية انعكست على مشاريعه، فبدأت تنمو بوتيرة أسرع.

وفي لحظة حاسمة، أدرك سامر درسًا جوهريًا: أن أي فكرة يركز عليها الإنسان بقلبه وعقله تتحول مع الوقت إلى واقع ملموس. بدأ مشروعًا كان مجرد فكرة صغيرة — تطبيق إلكتروني يساعد الناس على تنظيم وقتهم — وكان يعمل عليه ليلًا ونهارًا، بإتقان وحب. لم يكن همه الأول هو الأرباح، بل جودة ما يقدمه ورضاه عن نفسه. ومع مرور عامين، أصبح التطبيق من أكثر التطبيقات استخدامًا في مجاله، وجاء النجاح المادي كنتيجة طبيعية، تمامًا كما تقول القاعدة: “النجاح يكمن في الداخل، وما يظهر في الخارج انعكاس له”.

قصة سامر ليست أسطورة ولا حكاية خيالية، بل نموذج يثبت أن النجاح ليس حكرًا على أصحاب الامتيازات أو الحظ الكبير، بل هو نتيجة طبيعية لمن يزرع النية الحسنة، ويحافظ على النزاهة، ويعيش بالامتنان، ويشارك الآخرين أفراحهم، ويثق بأن ما في الداخل سيجد طريقه يومًا ما إلى الظهور في الخارج. هنا مزيد من القصص.