الأمل… جرح بلا دماء

الأمل: هناك لحظات في حياة الإنسان تشبه المشي على جسر ضبابي، لا ترى ما تحته ولا تدري إلى أين يقودك، لكنك تمشي لأنك تؤمن أن النهاية ستكون أجمل مما تتخيل. وبينما أنت تمضي، قد تأتي الريح فجأة، وتزيح الضباب، لتكتشف أن الجسر كان يعلو هاوية، وأنك كنت على حافة السقوط دون أن تدري. تلك اللحظة هي خيبة الأمل، الجرح الذي لا يسيل دمًا لكنه يترك في روحك ندبة لا تزول.

خيبة الأمل:

خيبة الأمل لا تصرخ في وجهك، ولا تأتيك بصوت عالٍ لتقول: “انتهى الأمر”، بل تزحف بهدوء، كضيف غير مرغوب فيه يتسلل إلى أعماقك. ربما تبدأ بابتسامة باهتة من شخص كان يبتسم لك بحرارة، أو بردٍ خفي في حديث كان يدفئ قلبك، أو بتأجيل لقاء كنت تنتظره بشغف. لا تدرك أنها خيبة إلا حين تتراكم الإشارات وتصبح الحقيقة واضحة أمامك.

لقد علّمتنا الحياة أن الخذلان لا يأتي غالبًا من بعيد، بل من أقرب الناس إلينا، من الذين منحناهم ثقة لا حدود لها، من الذين فتحنا لهم أبواب قلوبنا دون أن نترك مفتاحًا لنا نحكم به إغلاقها عند الحاجة. والخذلان ليس فقط في الأفعال الجارحة، بل في الصمت القاتل حين نحتاج الكلمة، وفي الغياب الموجع حين نرجو الحضور، وفي الانسحاب البطيء الذي لا نملك أمامه سوى المراقبة والعجز.

كم مرة رأينا في أحدهم صورة البطل الذي لن يتركنا أبدًا، فإذا به أول من يرحل عند العاصفة؟ كم مرة ظننا أن هناك من سيقف معنا مهما حدث، فإذا به أول من يترك أيدينا في منتصف الطريق؟ في تلك اللحظات ندرك أن الصور التي رسمناها في خيالنا كانت أوضح وأجمل من الحقيقة، وأننا كنا نرى في الآخرين ما نريده نحن، لا ما هم عليه فعلاً.

لكن، وعلى الرغم من الألم، فإن خيبة الأمل ليست النهاية. ربما تكون بداية مرحلة أكثر نضجًا ووعيًا. فهي تعلّمنا أن الحذر ليس جفاء، وأن الاحتفاظ بجزء من مشاعرنا لأنفسنا ليس أنانية، بل حماية. وتكشف لنا أن الاعتماد المطلق على الآخرين في سعادتنا أشبه ببناء بيت على أرض ليست ملكنا؛ قد نفقده في أي لحظة.

أذكر قصة “سليم”، الشاب الذي كان يرى في صديقه “كريم” الأخ الذي لم تلده أمه. كانا يتقاسمان الأسرار، والضحكات، وحتى الخيبات الصغيرة. لكن حين مرّ سليم بأصعب أوقاته، مرض والده فجأة واضطر إلى ترك عمله للبقاء إلى جواره، كان يتوقع أن يكون كريم إلى جانبه. لم يطلب الكثير، مجرد وجود، مكالمة، كلمة طيبة. لكن كريم اختفى. وحين عاد بعد أشهر، كان كل شيء قد تغيّر. لم يكن الغياب هو ما أوجع سليم فقط، بل إدراكه أن الصداقة التي بناها لسنوات لم تصمد أمام أول اختبار حقيقي.

هذه القصص تتكرر كل يوم، بأشكال مختلفة. قد تكون في صديق، أو قريب، أو حتى شريك حياة. لكنها جميعًا تترك فينا درسًا واحدًا: أن الحب والثقة عطاءان عظيمان، لكن لا بد أن نضع لهما حدودًا تحمي قلوبنا من الانكسار الكامل. هنا قصص أخرى ملهمة.

وعندما نتجاوز الخيبة، ندرك أن القلوب التي انكسرت ذات يوم تصبح أكثر حكمة. هي لا تتوقف عن الحب، لكنها تحب بوعي. لا تتوقف عن العطاء، لكنها تعطي بميزان العدل، لا باندفاع اللحظة. تتعلم أن تفرّق بين الوجه الحقيقي والقناع، وأن تميّز بين من يحبك لذاتك ومن يحبك لما تعطيه.

قد يقول البعض إن الحذر يقتل العفوية، لكن الحقيقة أن الحذر يمنحك فرصة للبقاء، حتى تتمكن من الاستمرار في العطاء دون أن تفقد نفسك. لأنك حين تعطي كل ما لديك بلا تفكير، فإنك تضع مصيرك في يد من قد لا يقدّر ما بين يديه

إن أجمل ما قد تمنحه لنا خيبة الأمل هو ذلك الوعي بأن سعادتنا الحقيقية تنبع من داخلنا. نحن من نصنعها، نحن من نزرع بذورها ونرعاها، ولا يملك أحد أن ينتزعها منا إلا إذا سمحنا له. وكلما تعلّمنا أن نقف على أقدامنا بعد كل سقوط، زاد احترامنا لأنفسنا، وزاد تقديرنا للحياة.

في النهاية، الأمل يشبه زهرة تنبت في صحراء، قد يظن البعض أنها هشة وقابلة للذبول، لكنها قادرة على الصمود أمام الرياح والعطش، لأنها تعلمت أن تعيش على القليل. وكذلك نحن، نتعلّم أن نعيش على القليل من التوقعات، والكثير من الرضا، فنصبح أقدر على مواجهة العواصف بابتسامة، لأننا نعرف أن الجروح التي لا ترى، هي التي تصنع أقوى القلوب. هنا لتوعية نفسك أكثر من أجمل الفيديوهات.