البحث عن الذات: دائمًا ما نبحث عن شيء ما في الحياة، شيء لا نعرفه لكننا نواصل السعي وراءه. البعض يصف هذا الشيء بالسعادة، لكن هذا ليس صحيحًا تمامًا. فالشعور بالسعادة يعني أنك وجدتها وعشتها، ولو للحظات. أما البحث عن شيء، فيعني أنه شيء لم تعشه من قبل، لم تلمسه، ولم تحس به أو تتذوقه.
لا أصدق أحدًا يقول إنه لم يعش ولو لحظة جميلة في حياته، حتى ولو كانت مجرد ضحكة على نكتة. الجميع يمر بلحظات متناقضة، بين السعادة والحزن، الحب والكراهية، أياً كانت. لكن ما نبحث عنه هو شيء لم نختبره بعد، شيء مجهول.
في الحقيقة، الجميع يبحث دون أن يعرف عمّا يبحث. يوهم البعض أنفسهم بأنهم يسعون وراء السعادة، لكن هذا اعتقاد خاطئ. منذ سنوات، ارتبط مفهوم السعادة بالنجاح، وبات تحقيق الأهداف شرطًا للسعادة. وهذا في حد ذاته خطر. أصبح النجاح مرادفًا للسعادة، مما دفع الناس إلى وضع أهداف غير متزنة وغير واقعية.
أصبحنا نسعى لتحقيق النجاح، ليس من أجل الإبداع أو العطاء، بل لغاية شخصية متعلقة بسعادتنا. على سبيل المثال، باتت صناعة الموسيقى ليست للتمتع أو نشر الفرح، بل لأنها وسيلة لتحقيق نجاح شخصي يعقبه الشعور بالسعادة.
الرغبة الحقيقية في البحث تأتي من العطاء. أن تبحث يعني أن تطرح سؤالاً، ومن السؤال ينبع الفضول، ومن الفضول تأتي الرغبة التي تحركنا. البحث يتجاوز مجرد العثور على إجابة، لأن الإجابة في حد ذاتها تجلب نوعًا من الفرحة. هذه الفرحة ليست سعادة جارفة تدفعك للطيران والرقص، بل فرحة بسيطة، جميلة، مليئة بالحب والنشوة.
هناك رغبة داخلية دائمة تدفعنا للبحث. كل يوم نسعى، نخطط، ونضع أهدافًا لنجد شيئًا لا نعرفه. نعتقد أن ما نبحث عنه هو المال، أو السيارة، أو العلاقات، أو الأبناء، لكن كل هذا مجرد أوهام. نحن نحاول ملء فراغ داخلنا، ونوهم أنفسنا أن هذا الفراغ ناتج عن نقص معين.
تخيل معي أنك حصلت على كل شيء في الحياة. هل رأيت يومًا أغنى الأغنياء يتوقف عن العمل؟ أبدًا. السبب ليس حب العمل بحد ذاته، بل السعي المستمر لملء ذلك الفراغ الداخلي.
ما نبحث عنه في الحقيقة هو مصدرنا، عن الذات، من نحن، ومن أين أتينا. لا أعني هنا النسب أو الجينات، بل الروح التي تسكننا ومن يسيرها. نحن نبحث عن الله، لكننا غالبًا لا ندرك ذلك. نعتقد أن الله بعيد في السماء، يراقبنا من علو، كما نشاهد نحن التلفاز. لكن الحقيقة أن الله قريب جدًا، إنه في داخلنا.
فقط عندما نتخلى عن رغباتنا، ونتوقف عن السعي المستمر وراء شيء ما، ندرك الصمت العميق الذي يسكن داخلنا. في هذا الصمت، نكتشف جوهرنا الحقيقي، ونشعر بحضور الله في أعماقنا.
البعض يلجأ إلى مغامرات خطيرة مثل تسلق الجبال أو المشي على الخيط الرفيع. هذه الأنشطة تتطلب تركيزًا شديدًا وتوازنًا يمنع العقل من التفكير. في تلك اللحظات من الصمت الكامل، يظهر شعور الذات، ذلك الشعور بالحضور، وهو شعور قريب من الإحساس بالله.
وهناك أمثلة أخرى مشابهة، كالغوص في أعماق المحيطات حيث يمتزج الخوف بالجمال، أو قيادة السيارات بسرعات جنونية على طرق ملتوية، أو حتى تأمل النجوم ليلًا في أماكن منعزلة حيث يغيب ضجيج الحياة. جميع هذه التجارب تشترك في شيء واحد: إنها تضع الإنسان في مواجهة مباشرة مع نفسه، مع صمته الداخلي، ومع إحساسه العميق بالوجود. في هذه اللحظات، تختفي كل الضوضاء العقلية، وتبرز حقيقة بسيطة وجميلة: نحن هنا، موجودون، حاضرون، ومتصِلون بمصدر كل شيء.