ضعف الإنسان… الحقيقة التي توحّدنا

عن ضعف الإنسان : في مسرح الحياة، نمشي جميعًا فوق خشبة لا نعرف متى تنطفئ أضواؤها أو يسدل ستارها الأخير. نتقن أدوارنا، نرتدي أقنعة القوة، ونُحكم ربط خيوط المظهر حتى لا يتسرّب الضوء إلى ما خلف الكواليس. لكن خلف كل مشهد متقن، هناك ارتجافة يدٍ لم يرها الجمهور، ودمعة حبستها العين خوفًا من انكشاف النصّ الخفيّ الذي نحمله في صدورنا.

كنت في بداياتي أظن أن الضعف ضيف ثقيل لا يزور إلا بعض البيوت. كنت أظن أن هناك من صُنِعوا من صلب الفولاذ، أرواحهم محاطة بأسوار شاهقة، قلوبهم من حجارة الجبال، لا يتصدّعون ولا يتبعثرون. كنت أرى فيهم أبطالًا أسطوريين لا يعرفون الانكسار، وأتساءل إن كانوا حقًا ينتمون إلى ذات الفصيلة البشرية التي نحمل ضعفها على أكتافنا.

لكنني، مع الوقت، ومع تكرار المشاهد وتبدّل الوجوه، رأيت الحقيقة كما يراها المتأمل حين يبتعد خطوة عن الضجيج. اكتشفت أن هؤلاء الذين بدا لي أنهم فوق الضعف، هم في جوهرهم أكثر هشاشة مما تخيلت. لمست في لحظات صمتهم ارتعاشة الخوف، وفي بريق أعينهم أثر جراح لم تلتئم، وفي كلماتهم همسًا مترددًا كأنهم يخشون أن يفضحهم الحرف قبل أن ينطقوه.

عن الضعف

لقد أدركت أن الضعف ليس عارًا نخفيه، بل هو اللغة السرّية التي توحّدنا جميعًا، مهما حاولنا إنكارها. نحن مزيج متناقض من صلابة وهشاشة، من ضحكات عالية وليل داخلي صامت. نحن الكائنات التي تبني قلاعًا من الثبات فوق رمال متحركة، وتعرف في قرارة نفسها أن الموج قد يأتي في أي لحظة.

القوة الحقيقية لا تكمن في إخفاء هذا الموج، بل في أن نتعلم السباحة في مياهه حين يفيض. أن نعرف أن الخوف جزء من الشجاعة، وأن الانكسار قد يكون بابًا لفهمٍ أعمق لذواتنا. في لحظة الاعتراف بضعفنا، نصبح أقل قسوة مع الآخرين، وأكثر استعدادًا لأن نرى وجوههم الحقيقية خلف أقنعتهم المحكمة. هنا مقالات أكثر.

ومنذ أن وعيت هذه الحقيقة، تغيّرت طريقة نظرتي للعالم. حين أرى إنسانًا شديد الصرامة، أتساءل: ما الحكاية التي جعلت قلبه يختار الصلابة درعًا؟ وحين أرى من ينهار، أعلم أن في الانهيار مساحة رحبة للولادة من جديد، وأن الكسور قد تمنح الكائن شكلاً أكثر جمالًا، كما تفعل الشقوق حين تملؤها أشعة الفجر.

كلّنا، مهما تباينت حكاياتنا، نلتقي عند ذات النقطة: نحن ضعفاء نحاول أن نبدو أقوياء بما يكفي للعبور. ربما جمالنا الأكبر يكمن في هذا التناقض، في أننا نُحمل الضعف برفق، كما يحمل الفنان تمثالًا هشًّا يخشى أن يسقط، وفي أننا نتعلم أن نحترم ضعف الآخرين كما نحترم صمودهم.

إن الاعتراف بالهشاشة هو ما يمنحنا إنسانيتنا الكاملة، ويذكّرنا بأن الرحلة ليست عن سباقٍ نحو القوة المطلقة، بل عن مرافقة بعضنا بعضًا وسط العواصف. ففي النهاية، لسنا سوى مسافرين على ذات السفينة، نحمل قلوبًا قابلة للكسر، ونبحث عن شواطئ آمنة، ولو كانت مؤقتة. فيديوهات عن الوعي من هنا.